تنقسم الشعوب التي تعيش في الوقت الحاضر في شبه الجزيرة الاسكندناڤيّة والجزر المحيطة بها إلى دنماركيين وسويديّين ونرويجيين، ولكنّهم في الماضي كانوا يُعرفون باسمٍ واحد وهو “الڤايكنج”. كما كانوا يُعرفون أيضاً باسم (رجال الشمال)، وفي القرن الثامن بعد الميلاد كان الڤايكنج ما يزالون شعباً عدائياً غير متحضّر.
وبسبب المناخ البارد وجدب الأرض في بلادهم، كانت الزراعة وتربية الماشية أمرين عسيرين. وهكذا اتّجهوا إلى البحر طلباً للرزق وأسباب المعيشة، ولم يطل بهم الوقت حتى أصبحوا ملاحين ذوي براعةٍ فائقة.
وبسبب المناخ البارد وجدب الأرض في بلادهم، كانت الزراعة وتربية الماشية أمرين عسيرين. وهكذا اتّجهوا إلى البحر طلباً للرزق وأسباب المعيشة، ولم يطل بهم الوقت حتى أصبحوا ملاحين ذوي براعةٍ فائقة.
وأصبح الڤايكنج مبعث الرعب على امتداد شواطئ أوروبا الغربيّة. كانوا يهبطون إلى البر في بلدٍ ما، فينهبون المدن، ويقتلون الناس، وبعد أن يعودوا محمّلين بالغنائم، يعيدون الكرّة مرةً أخرى في بلدٍ آخر. وكانوا طوال القامة، شقر الشعور، وعادةً كانت لهم شوارب طويلة. وكانوا ذوي بأسٍ شديد، يقضون أوقاتاً مديدةً في البحر في سفنٍ مكشوفة.
غارات الڤايكنج وغزواتهم
حوالي نهاية القرن التاسع بعد الميلاد، توغّل الڤايكنج فيما يعرف الآن بروسيا. وطبقاً لمصادر كثيرة، فإنّ المملكة الروسية مدينةٌ بتأسيسها إلى عائلة الملك روريك. فشقيقاه سينيوس وتروڤور أسّسا دولة نوڤجاراد عام 826 ميلادي، وقام ورث روريك ويُدعى أوليج بتوسيع رقعة المملكة فيما بعد، ونقل العاصمة إلى كييڤ.
وخلال تلك الفترة، كانت جماعاتٌ من الڤايكنج تنطلق إلى وجهاتٍ أخرى، فوصلوا بسفنهم المتينة السريعة إلى جزيرة آيسلندة، واندفعوا منها إلى جرينلاند. وفي كلٍّ من فرنسا و انجلترا، أحدثت هجماتهم أضراراً فادحة إذ كانوا يدمّرون الكنائس والأديرة، ويعيثون في الأقاليم نهباً وتخريباً. وفي القرن التاسع استُهدفت باريس أربع مراتٍ على الأقل. وفي كلّ مرة كان الڤايكنج يصلون إليها ليلاً ويقتربون منها بالسفن خلال نهر السين. وفي النهاية اضطّر الملوك الفرنسيّون إلى دفع مبالغ باهظة في مقابل انسحاب الغزاة من العاصمة. وفي عام 885 قام نحو 30 ألفاً من الڤايكنج بفرض الحصار على باريس مرةً أخرى. وفي هذه المرة دفع الملك الفرنسي 700 ليرة ذهبيّة للڤايكنج الذين تركوا العاصمة لكنّهم يم يتركوا فرنسا، فقد استقروا ووطّدوا أقدامهم في المنطقة المعروفة باسم نورماندي، وأصبحوا يُعرفون باسم النورمانديين. وعندئذٍ حدث شيءٌ غير عادي، فإنّ النورمانديين بعد اتّصالهم بالحضارة الفرنسيّة، نبذوا ديانتهم وتحّولوا إلىالمسيحيّة. واستبدلوا بلغتهم الاسكندناڤيّة لغة الأقاليم الشماليّة في فرنسا، واحتذوا أنماط الحياة الفرنسيّة.
الڤايكنج في انجلترا
في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1066، هبط ويليام الفاتح دوق نورمانديا على رأس جيشٍ على شاطئ انجلترا الجنوبي. بقصد فتح الجزيرة كلها. وفي 14 تشرين الأول (أكتوبر)، دارت معركة هاستينجس بين قوّات الدوق الغازية وبين الملك الانجليزي هارولد. وبعد قتالٍ استغرق اليوم كله، ظفر ويليام الفاتح بالنصر، وفقد هارولد وخيرة جنوده حياتهم. وفي عيد الميلاد من عام 1066، توّج ويليام نفسه ملكاً على انجلترا.يعتقد أنّ الڤايكنج وفدوا إلى انجلترا لأول مرة في عام 787 بعد الميلاد، حين قاموا بالإغارة على ساحل دورسيت. ثمّ أغاروا فيما بعد على إقليم نورثمبريا. ولم يبدأ الڤايكنج في الاستقرار في انجلترا غلا بعد حوالي 80 عاماً. فتمكّنوا من قهر إقليمي نورثمبريا ومرسيا، ثمّ هاجموا إقليم ويسكس. على أنهّم قوبلوا في ذلك الإقليم بمواجهةٍ عنيفة، إذ استطاع أبناء إقليم غرب سكسونيا محتشدين تحت لواء الملك ألفريد إحراز نصرٍ كبير في معركة إيثانديون عام 878. وعندئذٍ اضطرّ الڤايكنج إلى الموافقة على حصر إقامتهم في الجزء المعروف في انجلترا باسم دينلو.
وتخلّصت انجلترا من غارات الڤايكنج لفترةٍ من الوقت، لكن بعد أن أصبح إيثلريد ريدليس ملكاً في عام 979ميلادي، عادوا فاستأنفوا الغارات. وفي بداية الأمر دفع هذا الملك الضعيف إليهم مبالغ كبيرة من المال ليرحلوا عن بلاده، ولمّا لم يجدِ ذلك نفعاً، اتّخذ خطوةً يائسةً مميتة، فقد أمر بذبح كافة رجال الڤايكنج العاملين في خدمته، ومن ثمّ أدّى ذلك إلى انتقامٍ مروّع، فإنّ سوين ملك الدنمارك غزا البلاد وطرد منها ايثلريد المنكود. ثمّ توفي سوين بعد فترة، وأصبح ابنه كانوت ملكاً على انجلترا كلّها، وبقيت انجلترا لمدّة 25 عاماً يحكمها ملوكٌ دنماركيّون. ثمّ جاء ملكٌ انجليزي لفترةٍ قصيرة هو “إدوارد” الملقّب بالمعترف وبعد وفاته قام النورمانديّون بغزو البلاد تحت قيادة الدوق وليام.
النورمانديّون في إيطاليا
أصبح النورمانديّون مبعث الرعب والذهول في أوروبا في القرن الحادي عشر. فمن موطنهم الجديد في إقليم نورماندي الفرنسي، قهروا انجلترا، ثمّ جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية. بل إنّهم ظهروا على مشارف القسطنطينيّة، وتعدّوها إلى القيام برحلات حجٍ إلى بيت المقدس.وفي عام 1016، دُعيت عصبةٌ من النورمانديين وهم في طريق عودتهم من رحلة حجٍ إلى بيت المقدس، للمساعدة في حربٍ قامت بين اللومبارديين واليونانيين في جنوب إيطاليا. وسرعان ماتوافد النورمانديّون إلى هذه البلاد المبشّرة بالخير في جموعٍ كبيرة. ولقد جاء الكثيرون منهم لأنّ نورمانديا كانت صغيرةً لا تستوعبهم ولاتكفي معاشهم. وكان ثمّة فارسٌ نورماندي اسمه ثانكريد دي هوتڤيل له أبناءٌ كثيرون، ولم يكن له من الأرض ما يكفي ليقوم بأودهم. وبمضي الوقت أخذ أبناؤه ينزحون إلى جنوبي إيطاليا، واستطاع أحدهم وهو روبرت جيسكارد أن يصبح القائد النورماندي في جنوبي إيطاليا، فأخذ يعمل على طرد اليونانيين منها كليّاً. وفي عام 1059 نصّبه البابا دوقاً على مقاطعتي أبوليا وكالابريا. وقبل وفاته عام 1085 استطاع أن يحارب اليونانيين في بلادهم، وخشوا أن يحاول فتح القسطنطينيّة.
في أثناء ذلك، كان شقيقه الأصغر روجر، يهاجم المسلمين في جزيرة صقلية. وفي نفس الوقت الذي كان فيه وليام الفاتح يقوم بغزو انجلترا وفتحها، كان روجر يغزو جزيرة صقلية ويقهرها. وفي عام 1091 أصبح الحاكم المسيطر على الجزيرة كلّها. كما أصبح ولده روجر الثانيـ الملقّب باسم روجر العظيم، فيما بعد حاكماً على كلّ الامبراطوريّة النورمانديّة في صقلية وجنوبي إيطاليا. وفي عيد الميلاد من عام 1130 توّج روجر ملكاً على صقلية وأبوليا وكالابريا، وتمّ التتويج في كاثدرائيّة باليرمو، عاصمة جزيرة صقليّة. وأصبحت مملكة النورمانديين في كلّ من انجلترا وصقلية، من أقوى الممالك في أوروبا في القرن الثاني عشر.
إنّ الفاتحين يريدون في العادة فرض لغتهم وديانتهم وقوانينهم وأسلوب حياتهم في البلدان التي يقرونها. لكنّ النورمانديين سمحوا للمسلمين ةاليونانيين والإيطاليين بأن يتكلّموا لغاتهم القوميّة، ويمارسوا شعائر دياناتهم الخاصّة، وأن يحتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم. إنّ حكمهم المتّسم بالتعقّل جعل هذه الفترة عهد ازدهارٍ كبيرٍ في جنوبي إيطاليا وجزيرة صقلية. وأدّى امتزاج الشعوب إلى قيام أنماط رائعةٍ من الفنّ والعمار لاتزال نماذج منها تُشاهد في جزيرة صقلية.